" إن للفن أثر على السلوك البشري ، بشرط أن يكون هذا الفن خدمة للأخلاق ومن أجل رقيها".

هكذا يجمع الفيلسوف اليوناني العظيم"أفلاطون" بين الفن وبين خدمته للأخلاق المجتمعية لترتقي بسلوكها الإنساني حتى تصل إلى مراتب جمهوريته المثلى و لعل الفن حين يتكئ على عكاز الأخلاق يقدم لنا صورة جمالية تساهم في الإضاءة على مفاهيم جدلية موروثة بشكل خاطئ ولقد نجح في هذا الأمر الممثل المبدع"خالد شباط" حينما تقمص بأدائه المبهر شخصية"باسل" في مسلسل كريستال واستطاع من خلالها نقل المصابين بمتلازمة "أسبرجر" وهي إحدى اضطرابات طيف التوحد إلى السكنى في قلوبنا بترحاب حار وشديد.

لقد تابعنا خلال مسار الدراما السورية الطويل والعريق العديد من الأعمال الفنية والتي اهتمت بشؤون ذوي الهمم وحاولت تقديمهم بصور فنية مختلفة لكن ما أدهشنا به الرائع"شباط" هو إخراج شخصية "باسل" من النمطية التي ترسخت في إظهار البعد العاطفي فقط لتلك الشخصيات.. ونجح باقتدار كبير على إجبارنا ودفعنا لنسيان أو تجاهل الحالة الطبية التي يعاني منها"باسل" وأظهره شخصية قادرة ومقتدرة...شخصية عارفة وساعية إلى المعرفة...شخصية تختزن الماضي في نفسها وتخطط للمستقبل...شخصية متمكنة من تجميع الأحداث وربطها وتفكيكها...شخصية تستطيع قراءة لغة العيون بحسها الإنساني المرهف...شخصية لها شجاعة المواجهة والخروج من عباءة العزلة المجتمعية المفروضة عليها...شخصية تلمس مياه حلمها بالسباحة بروحها لا بجسدها...شخصية تقدر معاني الحب وتقدسه...شخصية ترفض التعاطف في سبيل الفوز بالقلوب...شخصية تنزع عن كاهلها عباءة المستحيل لترتدي أثواب القدرة بكل معانيها....

لقد أعاد الرائع"خالد شباط" بأدائه المركب المتميز و أدواته الفنية المحكية و الجسدية والإيمائية بريق الأكاديميات الفنية السورية التي ظهر جهد أساتذتها جلياً في المشاهد المبهرة التي قدمها المتميز"شباط"

لقد حافظ " خالد شباط" على حبل السرة الفنية بين جيل الرواد من الدراما السورية و بين جيل الشباب المتعطش لتقديم الأفضل الرافض لفكرة الإستسهال الفني التجاري.. فكان سفيراً فوق العادة للفن السوري الأصيل إلى الحد الذي جعلني فخورةً بسوريته وأنا أخط له بعضاً مما يستحقه من إشادة جعلت من اسمه ربيعاً فنياً يزهرُ في أواخرِ الشتاء..

مني ومن أسرة مجلة فن نتمنى للممثل المتألق"خالد شباط" أن يبقى اسمه وهاجاً في فضاءات الفن على امتداد مساحته العربية..

مجلة الفن