ما هو الثمن الذي تريده أميركا من تركيا بعد انسحابها من سورية؟
السبت 12-01-2019
- نشر 6 سنة
- 8349 قراءة
يجب في البداية التشديد على أن الولايات المتحدة لا تؤمن بنمط التحالفات مع الدول الأخرى على أساس الندية والمصالح ثنائية الأوجه المتبادلة، فهي تريد أتباعاً ينفّذون السياسة الأميركية سواء كانت المصلحة متبادلة وتشاركية أم لا، والانسحاب الأميركي من سوريا يأتي في هذا السياق، فالولايات المتحدة تسعى لتحقيق عدّة أهداف من خلال هذا الانسحاب الذي سيمر حتماً بمخاض عسير، فما هي تلك الأهداف؟
أعلنت الولايات المتحدة انسحابها عسكرياً من سوريا من أجل إرضاء تركيا التي ترغب في منع إقامة دويلة كردية في الشرق السوري تهدّد وحدة تركيا لاحقاً، وكان هدف الولايات المتحدة من إرضاء تركيا هو منع استمرار تقاربها مع روسيا وإيران، ودفع تركيا للإنقلاب على تفاهمات أستانا وسوتشي، فتلك التفاهمات تعزّز الدور الروسي كفاعل دولي جوهري في تفكيك العقد التي تؤخّر حل الأزمة السورية، فتفاهم أستانا بموجبه تركيا اعترفت ضمنياً بشرعية الدولة السورية وتفاهم سوتشي منع استنزاف الجيش السوري في معركة طويلة الأمد في إدلب كما كانت ترغب الولايات المتحدة، فتلك التفاهمات تضرّ بسياسة الولايات المتحدة الساعية لإسقاط الدولة السورية واستمرار استنزاف الجيش السوري والقوات الحليفة. ومن الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة تعلن انسحابها من سوريا لإرضاء تركيا هو منع إتمام الصفقة الروسية التركية التي بموجبها سوف تشتري تركيا من روسيا منظومة الدفاع الجوي المتطوّرة اس 400، و تلك الصفقة إن تمّت فهي تفوّق استراتيجي واضح من روسيا على أميركا، لأن تركيا دولة عضو في حلف شمال الأطلسي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وعندما تشتري سلاحاً نوعياً من الغريم التقليدي للولايات المتحدة فهذه صفعة كبيرة، تضرّ بهيبة أميركا دولياً، وتجعل ميزان القوى في الصراع التسليحي التكنولوجي بين الولايات المتحدة وروسيا في صالح روسيا، خاصة بعد أداء منظومة الباتريوت الأميركية الهزيل في حرب اليمن ورغبة النظام السعودي في شراء اس 400 من روسيا فضلاً عن رغبة قطر في شراء تلك المنظومة أيضاً بعد أداء الباتريوت الهزيل في التصدّي لصواريخ الحوثيين، و هذا الأداء الهزيل للباتريوت بالإضافة إلى شراء تركيا لأس 400 سيضر بسمعة السلاح الأميركي و جودته عالمياً وهذا سيسبّب ضرراً اقتصادياً فادحاً لمصانع السلاح الأميركية التي يعد أصحابها من أكثر النافذين في تحديد مسارات السياسة الخارجية الأميركية.
وبالرغم من إعلان الولايات المتحدة انسحابها من سوريا لإرضاء تركيا إلا أن الولايات المتحدة مازالت ترغب في الضغط علي تركيا بالورقة الكردية، عبر ترك السلاح الثقيل الذي أخذه الكرد من أميركا في أيديهم، وبلا شك أن الانسحاب الأميركي يعدّ ضربة قاصمة للكرد، إلا أن الولايات المتحدة ترغب في جعلهم يتمتّعون بالحد الأدني من القوة حتى تستخدمهم لاحقاً في الضغط على تركيا إذا لم تستجب تركيا للمقابل الذي تريده أميركا منها جرّاء انسحابها من سوريا، فأميركا تريد انقلاباً تركياً على تفاهمات أستانا وسوتشي وعدم شراء تركيا منظومة الدفاع الجوي المتطوّرة أس 400 من روسيا فضلاً عن الالتزام بالعقوبات الأميركية المفروضة على إيران، فأميركا لا تريد القضاء نهائياً على الكرد حتى تستخدهم في أية مرحلة ضد تركيا إذا خالفت السياسة الأميركية ضد روسيا وإيران وهذا ما يفسّر سبب رغبة تركيا في سحب السلاح الثقيل من أيدي المسلحين الكرد.
وأحد أسباب إعلان الولايات المتحدة الأميركية انسحابها من سوريا هو إحداث فراغ استراتيجي في شرق سوريا ، ليشتعل صراع إيراني تركي على تعويض الانسحاب الأميركي وهو ما سيؤدّي إلى فشل تفاهم أستانا لأن تركيا وإيران ضلعان أساسيان فيه، فضلاً عن سوء العلاقات الروسية التركية إذا دخلت تركيا منطقة شرق الفرات وحاربت الكرد واتخدتهم ذريعة لتوسيع مناطق نفوذها في سوريا كما فعلت في عفرين بحجّة محاربة الكرد، وهذا أمر سيرفضه الروس وسيؤدّي منطقياً إلى إصدار شهادات وفاة لتفاهمات أستانا وسوتشي حول سوريا وهو ما ترغب به الولايات المتحدة لمنع استمرار التقارب الروسي الإيراني التركي حتى تستمر الحرب في سوريا ويستمر استنزاف جميع الأطراف المعادية للولايات المتحدة مثل روسيا وإيران والجيش السوري وحزب الله وهذا ما تريده الولايات المتحدة قطعاً.
ختاماً فإن الولايات المتحدة أعلنت انسحابها من سوريا لإرضاء تركيا لكنها تريد ثمن هذا الانسحاب وهذا الثمن هو انقلاب تركي على تفاهمات أستانا وسوتشي مع روسيا وإيران وعدم شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية أس 400 والولايات المتحدة لا تريد القضاء النهائي على الكرد حتى تستخدمهم كورقة ضغط على تركيا إذا رفضت دفع الثمن الذي تريده الولايات المتحدة جراء انسحابها من سوريا، و نصبت الولايات المتحدة فخاً لتركيا في انسحابها المفاجىء فهي تريد دفع تركيا للطمع و التوسّع في شرق الفرات حتى تدخل في صراع مع إيران و تسوء علاقتها مع روسيا وبالتالي إفشال التقارب الروسي الإيراني التركي الذي يهدّد المصالح الأميركية في المنطقة.
الميادين_أحمد الزهاوي