بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

المايسترو ميساك باغبودريان: من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية

الأحد 20-09-2020 - نشر 3 سنة - 6206 قراءة

 

 حوار: يارا سلامة   

عرف الإنسان الموسيقا منذ الأزل، فقد نشأت معه وارتبطت به وتأثر كلّ منهما بالآخر، هي لغة العالم يشعر بها كل إنسان حتى ولو لم تكن بلغته الأم ولهذا السبب تحديداً لم تتفق شعوب العالم على شيء مثل عشقها للموسيقا والنغم، صاغت الموسيقا وعبّرت عما يدور في نفسية الشعوب وعكست ثقافتها وآلامها ولحظات فرحها وحزنها، فجاءت متوجة عاكسة للإنسان..

 

ولتبقى الموسيقا رافدة للحركة الثقافية والإبداعية؛ كان لابدّ من أن يقودها مبدعون ومتخصصون في المجال الموسيقي ومن أبرز هؤلاء المبدعين كان خيارنا قائد الفرقة السيمفونية الوطنية السورية – المايسترو ميساك باغبودريان الذي قام مؤخراً بتخريج مجموعة من الموسيقيين الشباب.. معه في هذا الحوار

 

عن بيئة حاضنة للموسيقا

* بدايةً نُبارك لكم تخريج مجموعة من الموسيقيين الشباب دفعة عام ٢٠٢٠،وبهذه المناسبة أسألك: إلى أي درجة من الصعوبة إنشاء جيل موسيقي في ظروف الحرب؟

 

مسألة تخريج الطلاب لم تكن في يوم من الأيام أمراً سهلاً وهنا أتكلم عن الشق الأول الذي يتمثل بالعلاقة بين الأستاذ وطلبته التي يجب أن تتجسد في أرقى صورة ممكنة من أجل جعل العملية التعليمية تفاعلية لكونها تتسم بالحوار والتواصل الجيد واليومي والتي تنتج بالضرورة تلك العلاقة التي تزيد من عطاء الطلبة وتحفيز إمكاناتهم وتخلق روح التعاون والألفة والمحبة، ما يجعل من لحظة التخرج أمراً صعباً يحمل في ثناياه مزيجاً من الفرح والحزن لكلا الطرفين، أما عن الجانب الاحترافي لمسألة التخرج سأتحدث عن مشكلة كانت موجودة في السابق وتنامت في ظل الظروف التي نعيشها سواء بسبب الحرب أو «كورونا»، فعدد الموسيقيين الأكاديميين في سورية قليل وبالتالي كل طالب يتخرج هو شخص شريك نعلق الآمال عليه برفد الحياة الثقافية والموسيقية في بلدنا ونفكر بإمكانية استثمار قدراته وخبراته وأين سيكون مكانه وماهو دوره مع عدم إغفال جانب إقناع الطالب بدوره وكما قلتِ الكثير من الناس ترى أن الموسيقا مهنة غير قابلة لتأمين مورد مادي لائق للحياة ومن الممكن أن يكون هذا الكلام صحيحاً في إحدى الجوانب، ولكنّ هناك موسيقيين أكاديميين حققوا مردوداً مادياً جيداً واستطاعوا إثبات قدراتهم وإمكاناتهم، وهنا يأتي دورنا بتوجيه الطالب وكما نعلم وللأسف في سورية لا توجد لدينا بيئة حاضنة للموسيقا تأخذ بيدهم وتساندهم وتساعدهم في مواجهة مشاكلهم وعدم وجود هذه البيئة يدفع الخريجين للهجرة، بينما القسم الآخر يسافر لإكمال دراسته نظراً لعدم امتلاكنا دراسات عليا متخصصة بالموسيقا كالماجستير أو الدكتوراه أو الدراسات المعمقة للآلات،أما فيما يخص إنشاء جيل موسيقي فالكثير من الأهالي يعدّ موضوع الموسيقا هواية لاستغلال الوقت، ولكن المسألة أصعب بالنسبة للطالب وخاصة عندما يفكر بتأسيس حياته في اللحظة التي تلي التخرج .

 

* هل ترى أن الموسيقيين أشخاص ظلمهم الإعلام أم انعدام الثقافة الموسيقية لدى المتلقي خصوصاً بأن الحضور للأمسيات الموسيقية نخبوي دائماً؟

يحزنني عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية، وما يضعونه من أغانٍ هي غير جادة، وهنا أتساءل عن وضع الجمهور المتلقي الذي يتابع هذه القنوات كيف ستتكون لديه ثقافة فيما يخص هذا الإبداع وعن طريق ماذا؟، فلا توجد لدينا مدارس قادرة على تشكيل فضول تجاه الموسيقا نتيجة المناهج السيئة والأساتذة الذين لا يأخذونها بشكلٍ جدي، أين دور المدرسة هنا التي يجب أن تكون هي المؤسسة التربوية الأولى التي ينشأ فيها الطفل؟، كل هذه العوامل أدت إلى الظهور القليل للموسيقي فالموسيقي نفسه هو شخص غير مشهور إعلامياً وهذا يخلق لديه مشكلة فهو بحاجة للظهور من أجل إظهار فنه وإبداعه والبعض يقول إن الناس تتقبل أنواعاً معينة من الموسيقا وترفض أخرى وهذا غير صحيح فكيف يمكن للإنسان عدم تقبل نوع دون غيره وهو لا يعلم أي شيء عنه، نحن نقول بأن الموسيقا للنخبة, هل جربنا تعريف الناس بها؟ بالطبع هذا يحتاج إلى عمل مؤسساتي متكامل ممنهج ومنظم، إضافة إلى استراتيجية واضحة المعالم للوصول إلى النتائج المرجوة.

 

عن أملٍ مُرتجى

* هل لديك أمل بالوصول إلى النتائج قريباً؟

إلى الآن لم نبدأ لنصل، هذا يعود إلى طريقة تفكيرالمؤسسات فإذا لم يتم هذا التعاون لا نستطيع تقديم شيء بهذا الخصوص.

 

* هنا أسألك عن أهمية ربط الموسيقا بالمكان، إلى أي درجة تؤثر هذه التفاصيل في نجاح بنية العمل بشكل عام؟

تؤثر كثيراً ولكن ليست هي الأساس، توجد أعمال موسيقية يجب أن تُقدم في مكان يشبه الموسيقا نفسها وهناك أعمال لو قدمناها في خان أسعد باشا لن تعطي الانطباع نفسه، وهنا ربط المكان مع نوع الموسيقا التي تُقدم مع طبيعة المقطوعات الموسيقية هي التي تعطي التكامل للعمل.

 

* ماذا كان دور الموسيقي في عكس ما حصل على أرض سورية من حرب ودمار في فترة الحرب؟

برغم كل الحرب والدمار اللذين شهدتهما سورية لم نقدم حفلاً بلا جمهور إلا أن جائحة «كورونا »أجبرتنا على فعل ذلك، كل ظرف يخلق لدينا حالة تحدٍّ, فكيف يمكن أن نتجاوز هذا الظرف ونؤدي رسالتنا؟، وهنا يأتي دورنا بالمحافظة على الوجه الإنساني للمجتمع ورفع معنويات الناس أثناء الأزمات وهنا جاءت الموسيقا بمنزلة تفريغ للشحنات السالبة وبهذا تلعب دور العلاج النفسي.

 

الحلم التدمري

* كان لديك حلم بتقديم حفل موسيقي كبير في تدمر احتفالاً بتحريرها من «داعش»، تحقق جزءاً من الحلم.. لنعود ونسترجع مشاعرك في لحظة تقديم الحفل، وهل مازلت تريد تحقيق بقية الحلم؟

ما قدمناه في حفل تدمر كان أمراً استثنائياً بالمعايير كلها، فوجودنا في هذا المكان بعد تحريره كان عبارة عن تحدٍّ ورسالة جوهرية باستمرار الحياة، شاهدنا الجيش العربي السوري وهو يزيل مخلفات الإرهابيين وعشت ظروفاً نفسية صعبة، فهذا المسرح سيبقى في ذاكرتنا كمسرح للموت بعد أن أعدمت «داعش» بعض جنودنا ومثقفينا عليه وبالتالي أول دخولي إلى المكان كان مؤثراً جداً ومؤلماً، شعرت بأرواح جنودنا الأبرار تحوم بكل تفصيل في المسرح، فهي خالدة باقية لن تموت وبالتالي قررنا مقابلة ثقافة الموت بثقافة الحياة، أما عن بقية الحلم فهو يتجسد بالمكان فلدي حلم بإقامة حفل بمناسبة(6 أيار) بضريح الجندي المجهول وأتمنى أن أقدم من خلاله حفلاً يليق بما قدمه شهداؤنا من تضحيات وعطاءات.

 

* دعنا نغوص قليلاً بالحالة النفسية والمزاج العام للموسيقي،عندما تقدم قطعة موسيقية حزينة, كم من الوقت تبقى متأثراً بما تقدمه وهل تعود إلى مزاج طبيعي حال مغادرة المسرح؟

في بداية الأزمة كنا نختار برامج موسيقية للفرقة الوطنية وعندها كان من الصعب عزفها لكوننا نعيش حالة نفسية غير مريحة، وبالتالي لن نكون صادقين في مشاعرنا أثناء الأداء وهنا سنقدم شيئاً لسنا مؤمنين به ولا نعيشه, لذلك جاءت معظم مقطوعاتنا معبرة عن الأزمات التي يعيشها المجتمع ولكن مع محاولة إيجاد شمعة أمل لنحيا بها، أما عن مدى تأثري فهناك مقطوعات أبقى متأثراً بها لمدة شهرين وربما أكثر ولا أستطيع الخروج من بوتقتها وهذا يتعبني نفسياً.

 

* أردت تقديم رسالة من خلال إهداء تحية من سورية لإيطاليا بعزف السيمفونية البطولية ليبتهوفن على مسرح دار الأوبرا، لنتحدث عن دور الموسيقا في عكس روح الصداقة وتبادل الثقافات عبر شعوب العالم ؟

الموسيقا ليست مادة معزولة فهي علاقة تأثر وتأثير متبادل وفي الوقت نفسه هي عملية «احتكاك», فعندما أريد تطوير نفسي موسيقياً بالتأكيد أنا بحاجة إلى الاحتكاك مع موسيقيين من خارج البلد الذي أقيم فيه من أجل تبادل وجهات النظر فكل منا يملك طريقة تفكير مختلفة وكل منا يكتسب مهارة من الطرف الآخر، لذلك نحن نستضيف قادة« أوركسترا» وعازفين ولدينا زيارات دورية لعدة دول غربية وهذا ما يثبت أن الموسيقا هي الوسيلة الوحيدة التي لا تحتاج إلى مترجم لكونها لغة العالم .

 

البيانو دون غيره

* قلت في حوارٍ سابق، أن على قائد «الأوركسترا»،إضافة إلى دراسته الأكاديمية الطويلة وإتقانه العزف على آلته الموسيقية، أن يحصل على دراسة لآلة البيانو إن لم يكن عازف بيانو، لماذا آلة البيانو تحديداً دون غيرها من الآلات؟

لكونها تمتلك مفاتيح العزف بحيث يمكن استغلال عدة أصابع للعزف وعدة أصوات وهذا يساعدنا في دراسة النظريات الموسيقية لكون الموسيقا مبنية على تعدد الأصوات وكل صوت مختلف عن الآخر وفي الوقت نفسه تراها منسجمة ومن أجل معرفة كيفية تطبيق هذا الانسجام قلت إن البيانو هو الأقدر على ذلك.

 

* قمت بقيادة عدة فرق أوركسترالية في أوروبا، بماذا تختلف قيادة الفرق الأوروبية عموماً عن الفرق السيمفونية ومنها الوطنية؟

بالنسبة للأوركسترات الغربية هي في الواقع تختلف حسب البلد الموجودة فيه، وهذا يعود إلى طريقة التعبير الشخصي أقصد الشعب نفسه فهناك بلاد تكون باردة بطريقة تعبيرها وهذا بالطبع نشعر به بما تقدمه لأن الموسيقا هي انعكاس لأرواحنا وهناك شعوب متوسطة بطريقة تعبيرها وكلتا الحالتين ينتج عنهما بالضرورة آثار إيجابية وأخرى سلبية لكونهما تؤثران في كيفية تقديم المقطوعات الموسيقية.

 

مسيرة السيمفونية

* أسست الفرقة الوطنية السيمفونية سنة ١٩٩٣؛ ما الذي تغير في وضع هذه الفرقة وما الصعوبات التي تواجهها اليوم؟

 

منذ ذلك التاريخ إلى اليوم مررنا بعدة مراحل سواء من النواحي الإدارية أو الموسيقية وحتى من الجانب الاجتماعي والسياسي، ففي عام ١٩٩٣ كان التأسيس مع الأستاذ صلحي الوادي وأعتقد أن المرحلة الثانية بدأت بسنة ٢٠٠٣ عندما مرض الأستاذ الوادي وعندئذ طلبوا مني العودة من إيطاليا واستلام الفرقة وفي العام ٢٠١٢ عاشت الفرقة مرحلة جديدة عبر احتضان دار الأوبرا لها وأصبح لدينا نظام عمل ولائحة داخلية بما يتناسب مع عملها بالدار، ولكن الحرب كان لها التأثير الأكبر, فبعض الموسيقيين سافر إلى الخارج وهجر المعهد وأهم خسارة هي خسارتنا للخبراء الروس الذين كانوا أعضاء أساسيين في الفرقة «عازفين أوائل» ونتج عن ذلك عبء إضافي على الموسيقي السوري ومسؤولية أكبر.

 

* لماذا كان اعتمادكم الأساسي على الخبراء الروس منذ بداية الأمر؟

هناك آلات جديدة بالنسبة لمجتمعنا وكنا بحاجة إلى خبراء أجانب من أجل تدريسنا على الآلات الجديدة، ولنكمل تتمة السؤال عن الصعوبات, دعيني أقول لكِ: إن الموسيقيين في سورية وخاصة مع وجود أزمة «كورونا» التي أوضحت أن حياتهم المهنية مرتبطة بالحفلات التي يقدمونها وفي اللحظة التي أُلغيت بها تلك الحفلات لم يعد لديهم مورد مادي ولا يوجد أي قانون يعوض الموسيقي عن تلك الخسارة، نقابة الفنانين لم تقدم إلا شيئاً بسيطاً وكذلك الحال مع وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة الثقافة فلم نر منهم أي تعويض وهنا أتساءل: هؤلاء الموسيقيون مسؤولية مَنْ, بعد تخلي كل الجهات المعنية عنهم؟

 

* تقصد بحديثك أنه لا يوجد قانون يحمي الموسيقيين؟

لا، لا يوجد وإن وجد فهو حبر على ورق فقط وعلى أرض الواقع لا يوجد أي شيء ملموس.

 

* في رأيك هناك إدارات لا تعي قيمة الموسيقي؟

هناك إدارات تعي ولكن هي مكبلة بالأنظمة والقوانين ولذلك يجب أن تكون هناك قوانين مختلفة تدرك وضع الموسيقي.

 

* كيف هي علاقتك مع الإعلام؟

أحبهم كثيراً وهم وسيلتنا لإيصال صوتنا وأعمالنا وأفكارنا إلى المجتمع، ولكنْ هناك إعلاميون غير مدركين لما يقومون به والكثير من الأحيان يطرحون أسئلة غريبة لا تنم عن معرفة الشخص الذي يقومون بالحوار معه «عرف عن حضرتك» نحن بحاجة إلى إعلام اختصاصي بحت.

 

* في رأيك هل لا يزال هناك دور للفرق السيمفونية وأعمالها الجادة الملتزمة في عالم الأغاني اليوم التي تجتاح العالم في مشهدٍ عبثي؟

هذه الأغاني ليست لديها هوية و لا تتحدث عن خصائص لشعب معين ولا تمثل أي ثقافة، و تأخذ حيزاً من ذائقة المتلقي بسبب الضخ الذي يمارس عليها, فأصبحت العلاقة تجارية مع الأغاني التي تُقدم بهدف تسطيح الذائقة الثقافية والفكرية للمجتمع, وهذه لعبة لم تكن في يوم من الأيام في عالم الموسيقا شريفة ومورست على المجتمع ومما ساهم في انتشارها عدم وجود معادل لها .

تشرين


أخبار ذات صلة